موسم "نجم البلدة"..تقليد شعبي وصحي تتوارثه الأجيال بحضرموت
اعتاد أهالي المناطق الساحلية بمحافظة حضرموت، خلال النصف الثاني من شهر يوليو/تموز من كل عام، على الاحتفاء بظاهرة طبيعية فلكية، تستمر لعدة أيام، يتم خلالها إقامة الفعاليات والمهرجانات وممارسة طقوس صحية عبر الاغتسال بمياه البحر. وعلى الرغم من غياب فعاليات المهرجان السنوي الحكومي بمدن ساحل حضرموت لهذا العام، للاحتفاء بما يسمى ”موسم نجم البلدة“.

إلا أن المئات من الأهالي بدأوا في التدفق نحو السواحل المطلّة على مياه بحر العرب، بهدف الاغتسال والاستمتاع بالبرودة الاستثنائية التي تمتاز بها سواحل حضرموت في هذا الوقت من كل عام، في تقليد شعبي وصحي تعاقبت الأجيال على توارثه طوال العقود الماضية.
وقال مدير مكتب الثقافة بمديريات ساحل حضرموت، ماهر عوض بن صالح، لـ“إرم نيوز“، إن ”السلطة المحلية بمحافظة حضرموت، لم تتمكن من إقامة مهرجان موسم نجم البلدة الثقافي السياحي لهذا العام كما درجت عليه العادة في مناطق ساحل حضرموت، وخاصة في مدينة المكلا، بفعل الظروف غير المواتية وبسبب تردّي الأوضاع الخدمية في محافظة حضرموت، وخاصة في ملف الكهرباء، إلى جانب سوء الظروف المعيشية، التي نأمل أن يأتي العام المقبل وقد انتهت هذه الظروف وتوقفت الحرب“.
وأضاف أن ”تنظيم المهرجانات والاحتفالات لهذا العام، تُرك للجمعيات والمؤسسات ذات الشأن الثقافي تحديدًا، على أن تحتفل كل مديرية أو كل مؤسسة وجمعية بطريقتها، ووفقًا لإمكانياتها المتاحة“، لافتا إلى أن ”غياب الأنشطة والفعاليات الحكومية لم يمنع أهالي الشريط الساحلي الحضرمي من الاحتفال بهذه المناسبة، من خلال الاغتسال بمياه البحر الباردة والاستمتاع بهذه الظاهرة الفريدة، التي تستمر على مدى أيام النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز من كل عام“.
وأوضح ابن صالح أن ”فعاليات المهرجان التي تقيمها السلطات المحلية بالمحافظة احتفاءً بهذه المناسبة، تتضمن حفلات غنائية ساهرة، وندوات ثقافية وأدبية تتناول ظاهرة برودة البحر خلال هذه الفترة، إضافة إلى كرنفال للألعاب والرقصات الشعبية الفولكلورية المرتبطة بالبحر، وتنظيم بازار للأسر المنتجة، وسط إقبال جماهيري كبير من مختلف مناطق المحافظة ومن خارجها“.
وشهد شاطئ ”بروم“ بمدينة الشحر، جنوبي حضرموت، الخميس الماضي، فعاليات احتفالية ليوم واحد فقط، بمبادرة خاصة من أحد المستثمرين، على غير ما اعتاد عليه أهالي ساحل حضرموت، تضمنت فقرات تراثية وشعبية بمشاركة فرق فنية، وبحضور المئات من المواطنين.
وبدأ الانطلاق الفعلي لما يدعى بـ“نجم الخريف“ في حضرموت، الجمعة الماضي، الـ15 من يوليو/ تموز، وتستمر الفعالية حتى الـ27 من الشهر الجاري، وسط خطة أمنية ميدانية تنفذها قوات خفر السواحل بحضرموت، لتأمين الشريط الساحلي خلال الموسم. الاغتسال بمياه البحر من ناحيته، رأى الباحث المتخصص في الأحياء البحرية، عمر خميس بامتيرف، أن ”هذه الظاهرة الطبيعية، مرتبطة بنجوم موسم فصل الخريف، وهي عبارة عن نجوم يبدأ ظهورها تزامنا مع وصول رياح الشمال القادمة من جهة الجنوب الغربي، وبحسب ما توصلت إليه أبحاثي، فإن هذه الرياح تأتي من منطقة بربرة الصومالية، لتستهدف المناطق الساحلية للشريط الساحلي لليمن الجنوبي، بدءًا من مدينة شقرة بمحافظة أبين، حتى نهاية محافظة المهرة“.
وقال بامتيرف لـ“إرم نيوز“، إن ”ما يميز حضرموت في أثناء هذه الفترة، هو مياه سواحلها التي تكون أكثر برودة من غيرها من السواحل القريبة، وذلك يعود إلى الرياح المقبلة من أرض الصومال التي تتضاعف برودتها في أثناء رحلتها إلى سواحل حضرموت، إذ إن انبعاث المياه الباردة هو عبارة عن استهداف لرياح الشمال الواصلة من الجنوب الغربي، من اتجاه بربرة إلى صوب حضرموت، من خلال قوة الرياح وشدتها التي تتباين من منطقة إلى أخرى، والمياه تكون باردة لأنها تصل من أعماق البحر وأعماق خليج عدن في أثناء رحلتها، على الرغم من البرودة البسيطة للشريط الساحلي الصومالي، لذلك نجد برودة مياه سواحل حضرموت في هذه الفترة أشد من برودة مياه الساحل الصومالي“.
وأفاد بأن ”الفترة التي تعقب موسم نجم البلدة، تكون فيها مياه البحر أشد برودة، بشكل يؤثر على بعض الأسماك ويجعلها تنفق في الساحل، بسبب اصطدامها بمياه باردة قوية وتيارات شديدة في أعماق البحر، إضافة إلى غيرها من العوامل المصاحبة، مثل تلك التيارات الجارفة التي تقترب من السواحل خلال هذه الفترات، والتي يُحذّر فيها من السباحة لخطورتها على حياة الإنسان“.
وأوضح بامتيرف، أن ”برودة المياه خلال موسم نجم البلدة، تعدّ صحية للإنسان، ويكون ذلك من خلال الاغتسال بمياه البحر خلال ساعات الصباح الأولى من أيام النصف الثاني من شهر يوليو/تموز، وأن الأيام المحببة للاستحمام تكون في السادس والسابع والثامن من الموسم، لأن هذا الوقت تظهر فيه التيارات البحرية بحالات متقلبة يشعر من خلالها الإنسان بالدفء والبرودة، وهو ما قال إنه ”يغنيك عن حجامة عام“.
من جهته، أكد الباحث التاريخي، أحمد الرباكي، أن ”نجم البلدة هو النجم الثاني من نجوم موسم الأمطار خلال فصل الخريف في اليمن عامة، وفقًا للتقويم النجمي القديم، ويعتبره سكان الساحل من أهم النجوم، إذ يعدّ مؤشرًا على بداية تحسّن الأجواء وبرودة مياه البحر، خاصة بعد أشهر من ارتفاع درجات الحرارة نظرًا لحالة الجفاف وانطفاء الكهرباء لساعات طويلة“.
وقال الرباكي لـ“إرم نيوز“، إن ”أبناء حضرموت يهتمون بهذه الظاهرة منذ القدم، خاصة كبار السن، كونه يعطيهم قوة ونشاطا ويمثّل علاجًا فعالًا للأعصاب وآلام الركب والروماتيزم ولكثير من الأمراض المتعلقة بالدورة الدموية حين يغتسلون في مياه البحر بهذا التوقيت، وهناك أثر شعبي وطقوس اجتماعية قديمة، اعتاد عليها أهالي حضرموت خلال هذه المناسبة، وتختلف من منطقة إلى أخرى، إذ يغتسلون في مياه البحر، في حين يقيم الصيادون في مدينة الشحر، مطلعا يطلق عليه سوبان – سوبان ويقام خلاله عدد من الرقصات الشعبية، كما يجري في موسمه زيارة مناطق كحجر، ثلة الخربة روكب والعيص، وله رقصات خاصة في مناطق مختلفة من حضرموت الساحل“.